«الإيكونوميست»: الترحيل الجماعي للمهاجرين يفاقم الضغوط الاقتصادية بأمريكا

«الإيكونوميست»: الترحيل الجماعي للمهاجرين يفاقم الضغوط الاقتصادية بأمريكا
مهاجرون غير شرعيين- أرشيف

مع اقتراب تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب منصبه في 20 يناير، بدأ الحديث عن خطط واسعة لترحيل ملايين من المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة، وهو ما يثير تساؤلات بشأن تبعات هذه الإجراءات على سوق العمل، وأسعار المساكن، وكذلك الوضع المالي العام في البلاد.

سلطت مجلة "الإيكونوميست"، في تقرير نشرته، أمس الاثنين، الضوء على التأثيرات الاقتصادية المحتملة للترحيل الجماعي للمهاجرين، مشيرا إلى أنه قد يسبب تباطؤًا اقتصاديًا كبيرًا ويزيد من الضغوط على عدة قطاعات حيوية.

ويُتوقع أن تترك هذه السياسات تأثيرات اقتصادية ملموسة على مدى السنوات المقبلة، سواء على مستوى الإنتاج أو على حجم الواردات، ما يضع الاقتصاد الأمريكي أمام تحديات جديدة.

ووعد الرئيس المنتخب بإجراء أكبر حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، متضمنة مداهمات أماكن العمل وإلغاء برامج الإفراج المشروط، وكشف عن أن ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفيه، وتوم هومان، المسؤول عن الحدود، يخططان لاستخدام القوات المسلحة لتنفيذ هذه الحملة.

استلهم ترامب من "عملية ويتباك"، وهي حملة مثيرة للجدل تمت في خمسينيات القرن الماضي في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور، أسفرت عن ترحيل 1.3 مليون شخص.

تداعيات على سوق العمل

وفقًا لمركز بيو للأبحاث، كان يعيش في الولايات المتحدة نحو 11 مليون مهاجر غير شرعي في عام 2022، منهم 8.3 مليون شخص ضمن القوة العاملة، وبعد زيادة الهجرة مؤخرًا، يقدر الخبراء الآن أن العدد قد يصل إلى 10 ملايين مهاجر غير شرعي، يمثلون نحو 6% من قوة العمل، يعمل العديد منهم في قطاعات البناء والزراعة والمطاعم.

وتتركز هذه العمالة في الولايات التي تشمل كاليفورنيا وفلوريدا ونيويورك وتكساس، ويعتمد الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير على هذه الفئة، وبالتالي فإن ترحيلها بالكامل أو جزئيًا سيؤدي إلى آثار اقتصادية واسعة.

ويمكن تحليل التأثيرات من خلال ثلاثة جوانب رئيسية: التوظيف، والأسعار، والمالية العامة.

تأثيرات محتملة على التوظيف

تُناقش عمليات الترحيل أحيانًا على أنها فرصة لتحسين فرص العمل للأمريكيين وزيادة الأجور، فقد صرح ميلر، على سبيل المثال، بأن الترحيل الجماعي سيخلق وظائف للأمريكيين ويرتفع الأجر، إلا أن ذلك يعتمد على مدى استبدال العمل المهاجر بالعمال الأمريكيين.

وتشير الدراسات إلى أن المهاجرين غير الشرعيين غالبًا ما يكملون العمل الذي لا يرغب الأمريكيون في القيام به، ووجدت دراسة أجرتها كلوي إيست من جامعة كولورادو أن الترحيلات التي تمت في عهد الرئيس باراك أوباما أدت إلى فقدان وظيفة واحدة للمولودين في الولايات المتحدة مقابل كل 11 مهاجرًا تم ترحيله.

وفي دراسة أخرى من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، قدّر الباحثون أن ترحيل 1.3 مليون عامل سيؤدي إلى انخفاض دائم في التوظيف بنسبة 0.6%، كما سيكون للإنتاج تأثير أكبر من ذلك بكثير.

نقص العمالة يرفع الأسعار

أثرت عمليات الترحيل بشكل مباشر على بعض القطاعات الأكثر تعرضًا لهذا النقص في العمالة، ويُعد قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تأثرًا.

وفقًا لتقرير صادر عن جامعة كاليفورنيا، يُقدّر أن نحو مليون من أصل 2.5 مليون عامل زراعي في الولايات المتحدة هم من المهاجرين غير الشرعيين، وفي حالة ترحيلهم، قد تضطر الشركات إلى تعويض النقص في العمالة باستخدام الأتمتة أو استيراد عمالة من الخارج، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التكاليف، ورغم تقدم الأتمتة، لا تزال الآلات غير قادرة على أداء العديد من المهام التي يتطلبها العمل في الزراعة، مثل حلب الأبقار أو قطف الفراولة.

وإذا فقدت هذه العمالة، فمن المحتمل أن تشهد الأسعار ارتفاعًا في العديد من السلع، وقد تنعكس تلك الزيادة في عجز تجاري أكبر، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي.

زيادة تكلفة الإسكان

تُعتبر صناعة البناء من أكثر القطاعات تأثرًا بنقص العمالة، حيث يعمل نحو 1.5 مليون مهاجر غير شرعي في هذه الصناعة، ما يمثل نحو سدس القوى العاملة في قطاع البناء، فضلاً عن 30% من العمال في مجالات مثل تركيب الجدران الجافة، والتأطير، والتسقيف.

ورغم أن عمليات الترحيل قد تؤدي إلى تقليل الطلب على الإسكان، فإن الدراسات الحديثة أظهرت أن فقدان العمالة قد يؤدي إلى تفاقم نقص المعروض في قطاع الإسكان.

وتشير الأبحاث إلى أن التأثير الأساسي لفقدان العمالة في قطاع البناء قد يؤدي إلى زيادة أسعار المنازل والضغط على سوق العقارات، مما يجعل من الصعب بناء المنازل الجديدة، في ظل معدلات الفائدة المرتفعة.

التأثير المالي للترحيلات

لن تقتصر آثار الترحيل على تقليص حجم القوى العاملة، بل ستمتد إلى التأثير على المالية العامة أيضًا، على الرغم من أن المهاجرين غير الشرعيين لا يحصلون على العديد من المساعدات الفيدرالية المباشرة، مثل إعانات الرعاية الصحية العامة أو الإسكان، فإنهم لا يزالون يسهمون في الإيرادات العامة من خلال ضرائب المبيعات وضرائب الرواتب لبرامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.

ويعزز المهاجرون الاقتصاد بشكل عام من خلال زيادة المعروض من العمالة، مما يرفع الدخل الخاضع للضريبة وأرباح الأعمال.

ويتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن تؤدي الزيادة الأخيرة في الهجرة إلى تقليص العجز الفيدرالي بنحو 900 مليار دولار بين عامي 2024 و2034، وذلك من خلال زيادة الإيرادات الاقتصادية، ولكن ترحيل جزء كبير من هذه العمالة سيؤدي إلى تقليص قاعدة الإيرادات دون أن تتأثر التزامات الإنفاق، وهو ما سيؤدي إلى اختلال مالي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية